عوالم وعرة حُرِّمت على الحرب


أفغانستان ليست حرباً، بل أرضاً.
قد تتصدّر تفجيرات "طالبان" الانتحارية عناوين الأخبار، ولكن هذا البلد الكبير الواقع في آسيا الوسطى، والذي تفوق مساحته مساحة فرنسا، يضمّ بين حدوده كوناً بحدّ ذاته. ومن أركانه التي قلّما تطأها أقدام الزوّار، ممرّ "واخان" الوعر الذي يعدّ وجهاً من أوجه أفغانستان لا يستطيع سوى قلة من الغرباء أن يتخيّله؛ فهو محميٌّ ضد العنف بسلسلة جبال "هندوكوش"، وعالقٌ في زمن أكثر شاعرية، ومنارٌ بضياء الجبال الشاهقة المكسوّة بالثلوج.
وكنت في صيف عام 2017 قد انطلقت في مسيرة مخترقاً هذه البراري النائية تماماً والتي تحفّها جبال شبيهة بالجدران في كل من طاجيكستان وباكستان وغرب الصين. وقد رافقني المصوّر الفوتوغرافي "ماثيو بالي" على مرّ أسابيع طويلة، وصعدنا سيراً على الأقدام وِدياناً يقطنها فلاّحون مسالمون من الطائفة الإسماعيلية، يدرسون القمح بالطريقة البدائية نفسها المذكورة في الكتاب المقدّس: تحت حوافر الثيران. وفيها رأينا نواعير تديرها جداول من مياه قارسة البرودة لتدير بدورها طواحين القمح. وكان القرويّون الذين يعتنون ببساتين المشمش أسفل جبال مكسوّة بالأنهار الجليدية يعيشون في شبه غفلةٍ عن العنف الدامي الذي يجري في كابول، عاصمة البلد البعيدة عنهم.
وقد قطعنا أراضٍ تخلو في معظمها من الطرق كما فعل مسافرو طريق الحرير الأوائل: برفقة حمير النقل. وبترديد كلمة "زَبَردَست!"، حثثنا الحمير على السير على طول ممرٍ جبلي يقع على ارتفاعٍ يقارب 4250 متراً عن سطح البحر. ويمكن ترجمة تلك الكلمة المحليّة بمعنى "ممتاز" أو "رائع" أو "شديد".. وهي كلمات مناسبة لوصف ممر "واخان" نفسه. ترقّبوا قصة اجتيازنا هذا الممر في عدد سبتمبر المقبل على صفحات ناشيونال جيوغرافيك.

بقلم: بول سالوبيك
عدسة: ماثيو بالي

إظهار التعليقات